تسببت وكالة الطاقة الدولية في حالة من الجدل الكبير في أسواق الطاقة العالمية الأسبوع الماضي، بعد أن توقعت قرب الوصول إلى ذروة الطلب على الوقود الأحفوري. وسرعان ما أصدرت منظمة «أوبك» رداً قوياً ينتقد توقعات الوكالة، مع تحذيرات من أن هذه التكهنات تهدد بفوضى في سوق الطاقة.
قال مدير وكالة الطاقة الدولية، فاتح بيرول، إن العالم يشهد بداية النهاية لعصر الوقود الأحفوري، متوقعاً وصول الطلب على النفط والغاز الطبيعي والفحم إلى الذروة قبل عام 2030.
وترى وكالة الطاقة الدولية – التي تمثل الدول الأكثر استهلاكاً للطاقة – أن استهلاك الأنواع الثلاثة من الوقود الأحفوري سيتراجع هذا العقد، مع النمو السريع للطاقة المتجددة وانتشار السيارات الكهربائية.
وكانت وكالة الطاقة قد توقعت في العام الماضي وصول الطلب على الوقود الأحفوري إلى ذروته قرب عام 2030، لكنها عدلت توقعاتها لتصبح قبل ذلك الموعد مع انتشار تقنيات الطاقة المتجددة في الأشهر الماضية.
برر بيرول أيضاً توقعات الوكالة بالتحولات الهيكلية في الاقتصاد الصيني، مع الانتقال من الصناعات الثقيلة إلى الصناعات والخدمات الأقل استهلاكاً للطاقة.
واعتبر أن تدشين مشاريع جديدة واسعة النطاق للوقود الأحفوري لا ينطوي على مخاطر مناخية كبيرة فحسب، لكن أيضاً يحمل مخاطر مالية كبيرة.
«أوبك» ترد بقوة
وجهت منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» انتقادات قوية لتوقعات مدير وكالة الطاقة الدولية، مع ما تمثله من مخاطر على الاستثمارات وإمدادات الطاقة، وقالت إن التوقعات القائمة على البيانات لا تدعم تكهنات وكالة الطاقة بشأن الوصول لذروة الطلب على الوقود الأحفوري قبل عام 2030.
وشددت «أوبك» على أن ما يجعل توقعات ذروة الطلب خطيرة للغاية، هو أنها غالباً ما تكون مصحوبة بدعوات لوقف الاستثمارات الجديدة في النفط والغاز.
وتعتقد المنظمة أن توقعات وكالة الطاقة لا تأخذ في اعتبارها التقدم التكنولوجي المستمر، الذي تحققه صناعة النفط والغاز لخفض الانبعاثات، ولا حقيقة أن %80 من مزيج الطاقة العالمي يأتي من الوقود الأحفوري، وهو المستوى المسجل نفسه قبل ثلاثة عقود.
توترات قوية
تشهد العلاقة بين منظمة «أوبك» ووكالة الطاقة الدولية حالة من التوترات القوية في السنوات الأخيرة، إذ اختلف الجانبان بشأن نهج إزالة الكربون، حيث ترى وكالة الطاقة أن الطريق إلى الحياد الكربوني يتطلب تخفيضات حادة في استخدام النفط والغاز والفحم.
وذكرت وكالة الطاقة في عام 2021 أنه لا يوجد مكان لمشاريع جديدة للوقود الأحفوري، إذا كان العالم يريد تجنّب الأسوأ في ظاهرة تغيّر المناخ.
لكن وكالة الطاقة الدولية واجهت انتقادات كبيرة من جانب كبار منتجي الوقود الأحفوري، مع التحذير من أن نقص الاستثمار في إمدادات النفط والغاز يهدّد بحدوث أزمات طاقة في المستقبل، في حال ثبت أن توقعات ذروة الاستهلاك متفائلة للغاية.
في شهر أبريل الماضي، اتهمت منظمة «أوبك» وكالة الطاقة الدولية بالتسبب في التقلبات في الأسواق، من خلال دعوتها إلى وقف الاستثمار في تطوير حقول نفطية جديدة.
وترى «أوبك» أن هناك ضرورة لموازنة جهود حماية المناخ مع أمن الطاقة، لمنع حدوث فوضى في الاقتصاد العالمي وتداعيات خطيرة على النمو.
وحذرت وكالة الطاقة في أبريل من قرارات «أوبك+» بخفض إنتاج النفط، وهو ما رد عليه الأمين العام للمنظمة بأن الدول الأعضاء في التحالف لا يستهدفون الأسعار، ولكن يركزون على أساسيات السوق.
فشل التوقعات
يحمل سوق النفط العالمي تاريخاً طويلاً من التوقعات الخاطئة لموعد الوصول إلى ذروة الطلب على النفط.
وأشارت منظمة «أوبك»، في بيانها خلال الأسبوع الماضي، إلى أن التوقعات السابقة بشأن الوصول إلى ذروة الطلب على الوقود الأحفوري لم تتحقق.
على مدى العقود الماضية، كان هناك الكثير من التوقعات بشأن الوصول لذروة المعروض، وفي العقود الأحدث، ظهرت توقعات متصاعدة بشأن ذروة الطلب، لكن كل منهما لم يتحقق حتى الآن.
خلال ذروة وباء «كورونا» في عام 2020، ظهرت بعض التوقعات التي كانت تشير إلى أن العالم ربما وصل بالفعل لذروة الطلب على النفط، وهو ما ثبت خطؤه بعد ذلك.
وكالة الطاقة الدولية نفسها توقعت في عام 2021 احتمالية الوصول إلى ذروة الطلب على النفط في عام 2025 في حال نفذت الدول تعهداتها بشأن حماية المناخ.
بينما تشير معظم توقعات المؤسسات الدولية إلى أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى مستويات قياسية في العامين الجاري والمقبل.
تشير تقديرات منظمة «أوبك» إلى أن الطلب العالمي على النفط سيصل إلى 104.3 ملايين برميل يومياً في العام المقبل، بزيادة 2.3 مليون برميل عن تقديرات العام الحالي.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية وصول الطلب العالمي على النفط في عام 2024 إلى 102.8 مليون برميل يومياً، بارتفاع مليون برميل مقارنة بهذا العام.
الهيمنة على مزيج الطاقة العالمي
هناك الكثير من المتغيرات التي يمكن أن تدفع النفط لمواصلة الهيمنة على مزيج الطاقة العالمي لعقود عديدة مقبلة.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان العالم سينمو بنحو %40 إضافية، ليتجاوز 9 مليارات شخص بحلول عام 2040.
ومن المرجح أن تدعم التركيبة السكانية الطلب المتزايد على السلع، مما يشمل النفط الخام ومنتجاته الثانوية، في حال عدم وجود اتفاق دولي يلزم جميع الدول بتقييد الاستهلاك.
زيادة الطلب على الوقود الأحفوري
بالرغم من الارتفاع السريع في إنتاج مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في السنوات الأخيرة، فإنها لا تزال تمثل %7.5 من استخدام الطاقة العالمي مقابل %80 للوقود الأحفوري.
كما قد تؤدي الابتكارات التكنولوجية المتعلقة باحتجاز الكربون أو توليد وتخزين الطاقة المتجددة إلى تغيير التوقعات بالنسبة لذروة الوقود الأحفوري.
وبالرغم من اتجاه بعض الدول المتقدمة لزيادة استخدام الطاقة المتجددة، فإن الاقتصادات الناشئة تواصل زيادة الطلب على الوقود الأحفوري.
نقص الاستثمار في صناعة النفط والغاز
في حين يتمثل التهديد الأكثر إلحاحاً لصناعة النفط في المستقبل في تراجع الاستثمارات، مع توقعات «أوبك» بالحاجة إلى استثمار 9.9 تريليونات دولار لتلبية الطلب المستقبلي بحلول عام 2045.
وتحذر «أوبك» منذ سنوات من أن التحول السريع في مجال الطاقة من دون تأمين الإمدادات التقليدية، ونقص الاستثمار في صناعة النفط والغاز، سيؤديان إلى الفوضى ونقص المعروض.